كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وجنة عرضها السماوات والأرض}.. سارعوا فهي هناك: المغفرة والجنة..
{أعدت للمتقين}.
ثم يأخذ في بيان صفات المتقين: {الذين ينفقون في السراء والضراء}.
فهم ثابتون على البذل، ماضون على النهج، لا تغيرهم السراء ولا تغيرهم الضراء. السراء لا تبطرهم فتلهيهم. والضراء لا تضجرهم فتنسيهم. إنما هو الشعور بالواجب في كل حال؛ والتحرر من الشح والحرص؛ ومراقبة الله وتقواه.. وما يدفع النفس الشحيحة بطبعها المحبة للمال بفطرتها.. ما يدفع النفس إلى الإنفاق في كل حال إلا دافع أقوى من شهوة المال وربقة الحرص وثقلة الشح.. دافع التقوى. ذلك الشعور اللطيف العميق الذي تشف به الروح وتخلص وتنطلق من القيود والأغلال..
ولعل للتنويه بهذه الصفة مناسبة خاصة كذلك في جو هذه المعركة. فنحن نرى الحديث عن الإنفاق يتكرر فيها كما نرى التنديد بالممتنعين والمانعين للبذل- كما سيأتي في السياق القرآني- مكررًا كذلك. مما يشير إلى ملابسات خاصة في جو الغزوة وموقف بعض الفئات من الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله.
{والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}.
كذلك تعمل التقوى في هذا الحقل، بنفس البواعث ونفس المؤثرات.
فالغيظ انفعال بشري تصاحبه أو تلاحقه فورة في الدم؛ فهو إحدى دفعات التكوين البشري وإحدى ضروراته. وما يغلبه الإنسان إلا بتلك الشفافية اللطيفة المنبعثة من إشراق التقوى؛ وإلا بتلك القوة الروحية المنبثقة من التطلع إلى أفق أعلى وأوسع من آفاق الذات والضرورات.
وكظم الغيظ هو المرحلة الأولى. وهي وحدها لا تكفي. فقد يكظم الإنسان غيظه ليحقد ويضطغن؛ فيتحول الغيظ الفائر إلى إحنة غائرة؛ ويتحول الغضب الظاهر إلى حقد دفين.. وإن الغيظ والغضب لأنظف وأطهر من الحقد والضغن.. لذلك يستمر النص ليقرر النهاية الطليقة لذلك الغيظ الكظيم في نفوس المتقين.. إنها العفو والسماحة والانطلاق..
إن الغيظ وقر على النفس حين تكظمه؛ وشواظ يلفح القلب؛ ودخان يغشى الضمير.. فأما حين تصفح النفس ويعفو القلب فهو الانطلاق من ذلك الوقر والرفرفة في آفاق النور والبرد في القلب والسلام في الضمير.
{والله يحب المحسنين}.
والذين يجودون بالمال في السراء والضراء محسنون. والذين يجودون بالعفو والسماحة بعد الغيظ والكظم محسنون.. والله {يحب} المحسنين.. والحب هنا هو التعبير الودود الحاني المشرق المنير الذي يتناسق مع ذلك الجو اللطيف الوضيء الكريم..
ومن حب الله للإحسان وللمحسنين، ينطلق حب الإحسان في قلوب أحبائه. وتنبثق الرغبة الدافعة في هذه القلوب.. فليس هو مجرد التعبير الموحي، ولكنها الحقيقة كذلك وراء التعبير!
والجماعة التي يحبها الله وتحب الله.. والتي تشيع فيها السماحة واليسر والطلاقة من الإحن والأضغان.. هي جماعة متضامة وجماعة متآخية وجماعة قوية. ومن ثم علاقة هذا التوجيه بالمعركة في الميدان والمعركة في الحياة على السواء في هذا السياق!
ثم ننتقل إلى صفة أخرى من صفات المتقين: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.
يا لسماحة هذا الدين! إن الله سبحانه لا يدعو الناس إلى السماحة فيما بينهم حتى يطلعهم على جانب من سماحته- سبحانه وتعالى- معهم. ليتذوقوا ويتعلموا ويقتبسوا:
إن المتقين في أعلى مراتب المؤمنين.. ولكن سماحة هذا الدين ورحمته بالبشر تسلك في عداد المتقين {الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم}.. والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها. ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها من رحمة الله. ولا تجعلهم في ذيل القافلة.. قافلة المؤمنين.. إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة.. مرتبة {المتقين}.. على شرط واحد. شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته.. أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أنه الخطيئة وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء.. وبعبارة أخرى أن يكونوا في إطار العبودية لله والاستسلام له في النهاية.
فيظلوا في كنف الله وفي محيط عفوه ورحمته وفضله.
إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحيانًا إلى درك الفاحشة وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع. يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه. حين يرتكب الفاحشة.. المعصية الكبيرة.. وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفئ وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل وأنه يعرف أنه عبد يخطئ وأن له ربًا يغفر.. وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطئ المذنب بخير.. أنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر. فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه والحبل في يده. ما دام يذكر الله ولا ينساه ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته.
إنه لا يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة ولا يلقيه منبوذًا حائرًا في التيه! ولا يدعه مطرودًا خائفًا من المآب.. أنه يطمعه في المغفرة ويدله على الطريق ويأخذ بيده المرتعشة ويسند خطوته المتعثرة وينير له الطريق ليفيء إلى الحمى الآمن ويثوب إلى الكنف الأمين.
شيء واحد يتطلبه: ألا يجف قلبه وتظلم روحه فينسى الله.. وما دام يذكر الله. ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي. ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي. ما دام في قلبه ذلك الندى البليل.. فسيطلع النور في روحه من جديد وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد وستنبت البذرة الهامدة من جديد.
إن طفلك الذي يخطئ ويعرف أن السوط- لا سواه- في الدار.. سيروح آبقًا شاردًا لا يثوب إلى الدار أبدًا. فأما إذا كان يعلم أن إلى جانب السوط يدًا حانية تربت على ضعفه حين يعتذر من الذنب وتقبل عذره حين يستغفر من الخطيئة.. فإنه سيعود!
وهكذا يأخذ الإسلام هذا المخلوق البشري الضعيف في لحظات ضعفه.. فإنه يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة وبجانب الثقلة رفرفة وبجانب النزوة الحيوانية أشواقًا ربانية.. فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ليأخذ بيده إلى مراقي الصعود ويربت عليه في لحظة العثرة ليحلق به إلى الأفق من جديد. ما دام يذكر الله ولا ينساه ولا يصر على الخطيئة وهو يعلم أنها الخطيئة! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة».
والإسلام لا يدعو- بهذا- إلى الترخص ولا يمجد العاثر الهابط ولا يهتف له بجمال المستنقع! كما تهتف الواقعية! إنما هو يقيل عثرة الضعف ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء كما يستجيش فيها الحياء! فالمغفرة من الله- ومن يغفر الذنوب إلا الله؟- تخجل ولا تطمع وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار.
فأما الذين يستهترون ويصرون فهم هنالك خارج الأسوار موصدة في وجوههم الأسوار!
وهكذا يجمع الإسلام بين الهتاف للبشرية إلى الآفاق العلى والرحمة بهذه البشرية التي يعلم طاقتها. ويفتح أمامها باب الرجاء أبدًا ويأخذ بيدها إلى أقصى طاقتها.
هؤلاء المتقون ما لهم؟
{أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.
فهم ليسوا سلبيين بالاستغفار من المعصية. كما أنهم ليسوا سلبيين بالإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ والعفو عن الناس.. إنما هم عاملون.
{ونعم أجر العاملين}.. المغفرة من ربهم، والجنة تجري من تحتها الأنهار بعد المغفرة وحب الله.. فهنالك عمل في أغوار النفس وهنالك عمل في ظاهر الحياة. وكلاهما عمل وكلاهما حركة وكلاهما نماء.
وهنالك الصلة بين هذه السمات كلها وبين معركة الميدان التي يتعقبها السياق.. وكما أن للنظام الربوي- أو النظام التعاوني- أثره في حياة الجماعة المسلمة وعلاقته بالمعركة في الميدان، فكذلك لهذه السمات النفسية والجماعية أثرها الذي أشرنا إليه في مطلع الحديث.. فالانتصار على الشح والانتصار على الغيظ والانتصار على الخطيئة والرجعة إلى الله وطلب مغفرته ورضاه.. كلها ضرورية للانتصار على الأعداء في المعركة. وهم إنما كانوا أعداء لأنهم يمثلون الشح والهوى والخطيئة والتبجح! وهم إنما كانوا أعداء لأنهم لا يُخضعون ذواتهم وشهواتهم ونظام حياتهم لله ومنهجه وشريعته. ففي هذا تكون العداوة وفي هذا تكون المعركة وفي هذا يكون الجهاد. وليس هنالك أسباب أخرى يعادي فيها المسلم ويعارك ويجاهد. فهو إنما يعادي لله ويعارك لله ويجاهد لله! فالصلة وثيقة بين هذه التوجيهات كلها وبين استعراض المعركة في هذا السياق.. كما أن الصلة وثيقة بينها وبين الملابسات الخاصة التي صاحبت هذه المعركة. من مخالفة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طمع في الغنيمة نشأت عنه المخالفة. ومن اعتزاز بالذات والهوى نشأ عنه تخلف عبد الله ابن أبيّ ومن معه. ومن ضعف بالذنب نشأ عنه تولي من تولى- كما سيرد في السياق- ومن غبش في التصور نشأ عنه عدم رد الأمور إلى الله، وسؤال بعضهم: {هل لنا من الأمر من شيء}؟ وقول بعضهم: {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا}.
والقرآن يتناول هذه الملابسات كلها، واحدة واحدة، فيجلوها، ويقرر الحقائق فيها، ويلمس النفوس لمسات موحية تستجيشها وتحييها.. على هذا النحو الفريد الذي نرى نماذج منه في هذا السياق.
بعد ذلك يبدأ السياق في الفقرة الثالثة من الاستعراض فيلمس أحداث المعركة ذاتها ولكنه ما يزال يتوخى تقرير الحقائق الأساسية الأصيلة في التصور الإسلامي ويجعل الأحداث مجرد محور ترتكن إليه هذه الحقائق.
وفي هذه الفقرة يبدأ بالإشارة إلى سنة الله الجارية في المكذبين ليقول للمسلمين إن انتصار المشركين في هذه المعركة ليس هو السنة الثابتة، إنما هو حادث عابر وراءه حكمة خاصة.. ثم يدعوهم إلى الصبر والاستعلاء بالإيمان. فإن يكن أصابتهم جراح وآلام فقد أصاب المشركين مثلها في المعركة ذاتها. وإنما هنالك حكمة وراء ما وقع يكشف لهم عنها: حكمة تمييز الصفوف، وتمحيص القلوب واتخاذ الشهداء الذين يموتون دون عقيدتهم؛ ووقف المسلمين أمام الموت وجهًا لوجه وقد كانوا يتمنونه ليزنوا وعودهم وأمانيهم بميزان واقعي! ثم في النهاية محق الكافرين بإعداد الجماعة المسلمة ذلك الإعداد المتين.. وإذن فهي الحكمة العليا من وراء الأحداث كلها سواء كانت هي النصر أو هي الهزيمة.
{قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
لقد أصاب المسلمين القرح في هذه الغزوة وأصابهم القتل والهزيمة. أصيبوا في أرواحهم وأصيبوا في أبدانهم بأذى كثير. قتل منهم سبعون صحابيًا وكسرت رباعية الرسول صلى الله عليه وسلم وشج وجهه وأرهقه المشركون وأثخن أصحابه بالجراح.. وكان من نتائج هذا كله هزة في النفوس، وصدمة لعلها لم تكن متوقعة بعد النصر العجيب في بدر حتى لقال المسلمون حين أصابهم ما أصابهم: أنى هذا؟ وكيف تجري الأمور معنا هكذا ونحن المسلمون؟!
والقرآن الكريم يرد المسلمين هنا إلى سنن الله في الأرض. يردهم إلى الأصول التي تجري وفقها الأمور. فهم ليسوا بدعًا في الحياة؛ فالنواميس التي تحكم الحياة جارية لا تتخلف والأمور لا تمضي جزافًا، إنما هي تتبع هذه النواميس، فإذا هم درسوها، وأدركوا مغازيها، تكشفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبينت لهم الأهداف من وراء الوقائع، واطمأنوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، وإلى وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام. واستشرفوا خط السير على ضوء ما كان في ماضي الطريق. ولم يعتمدوا على مجرد كونهم مسلمين، لينالوا النصر والتمكين؛ بدون الأخذ بأسباب النصر، وفي أولها طاعة الله وطاعة الرسول.
والسنن التي يشير إليها السياق هنا ويوجه أبصارهم إليها هي:
عاقبة المكذبين على مدار التاريخ. ومداولة الأيام بين الناس. والابتلاء لتمحيص السرائر، وامتحان قوة الصبر على الشدائد واستحقاق النصر للصابرين والمحق للمكذبين.
وفي خلال استعراض تلك السنن تحفل الآيات بالتشجيع على الاحتمال والمواساة في الشدة والتأسية على القرح الذي لم يصبهم وحدهم إنما أصاب أعداءهم كذلك وهم أعلى من أعدائهم عقيدة وهدفًا وأهدى منهم طريقًا ومنهجًا، والعاقبة بعد لهم والدائرة على الكافرين.
{قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}.
إن القرآن ليربط ماضي البشرية بحاضرها وحاضرها بماضيها فيشير من خلال ذلك كله إلى مستقبلها. وهؤلاء العرب الذين وجه إليهم القول أول مرة لم تكن حياتهم ولم تكن معارفهم ولم تكن تجاربهم- قبل الإسلام- لتسمح لهم بمثل هذه النظرة الشاملة. لولا هذا الإسلام- وكتابه القرآن- الذي أنشأهم به الله نشأة أخرى وخلق به منهم أمة تقود الدنيا..
إن النظام القبلي الذي كانوا يعيشون في ظله ما كان ليقود تفكيرهم إلى الربط بين سكان الجزيرة وماجريات حياتهم؛ فضلًا على الربط بين سكان هذه الأرض وأحداثها فضلًا على الربط بين الأحداث العالمية والسنن الكونية التي تجري وفقها الحياة جميعًا.. وهي نقلة بعيدة لم تنبع من البيئة ولم تنشأ من مقتضيات الحياة في ذلك الزمان! إنما حملتها إليهم هذه العقيدة. بل حملتهم إليها! وارتقت بهم إلى مستواها في ربع قرن من الزمان. على حين أن غيرهم من معاصريهم لم يرتفعوا إلى هذا الأفق من التفكير العالي إلا بعد قرون وقرون؛ ولم يهتدوا إلى ثبات السنن والنواميس الكونية إلا بعد أجيال وأجيال.. فلما اهتدوا إلى ثبات السنن والنواميس نسوا أن معها كذلك طلاقة المشيئة الإلهية وأنه إلى الله تصير الأمور.. فأما هذه الأمة المختارة فقد استيقنت هذا كله واتسع له تصورها ووقع في حسها التوازن بين ثبات السنن وطلاقة المشيئة فاستقامت حياتها على التعامل مع سنن الله الثابتة والاطمئنان- بعد هذا- إلى مشيئته الطليقة!
{قد خلت من قبلكم سنن}.
وهي هي التي تحكم الحياة. وهي هي التي قررتها المشيئة الطليقة. فما وقع منها في غير زمانكم فسيقع مثله- بمشيئة الله- في زمانكم وما انطبق منها على مثل حالكم فهو كذلك سينطبق على حالكم.
{فسيروا في الأرض}.
فالأرض كلها وحدة. والأرض كلها مسرح للحياة البشرية. والأرض والحياة فيها كتاب مفتوح تتملاه الأبصار والبصائر.